عضو متميز
مشارك بأكثر من 200 مشاركة
كاتب متميز
كتب أكثر من 200 موضوع
حاصل على الجنسية
مر على وجوده في المنتدى أكثر من 10 سنوات
عضو مطلع
شارك في أكثر من 200 موضوع
|
كهف الأصداء
في قرية نائية محاطة بالجبال، كانت هناك أسطورة متوارثة بين الأجيال عن *كهف الأصداء*. قيل إن من يدخله يسمع أصواتًا تهمس له بأسرار الحياة، وإنه يعكس أعماق روح كل من يغامر داخله.
*إبراهيم*، شاب في الثلاثينات من عمره، كان معروفًا بحبه للتأمل والبحث عن المعاني العميقة. بعد سنوات من سماعه الأسطورة، قرر أن يزور الكهف بنفسه، مدفوعًا برغبته في فهم أعمق للحياة.
### الطريق إلى الكهف
بعد يومين من السفر عبر الجبال الوعرة، وصل إبراهيم إلى مدخل الكهف. كان الفتح مظلمًا وباردًا، لكنه لم يتردد. أخذ معه مصباحًا وزاده، ودخل بحذر.
### اللقاء الأول
مع أولى خطواته، بدأت الأصوات تظهر. كانت هادئة في البداية، كأنها صدى خطواته، لكنها سرعان ما تحولت إلى همسات واضحة:
"ما الذي تبحث عنه، يا إبراهيم؟"
توقف ونظر حوله، لكنه لم ير أحدًا. أجاب مترددًا: "أبحث عن الحقيقة."
رد الصوت: "الحقيقة؟ هل هي ما تراه أم ما تشعر به؟"
لم يجب إبراهيم، لكنه استمر في المشي. كلما تعمق أكثر، زادت الأسئلة، وكلها بدت وكأنها تأتي من داخله:
- "هل تفهم نفسك حقًا؟"
- "لماذا تخشى الوحدة؟"
- "ما الذي يمنح حياتك معنى؟"
### مواجهة الماضي
وصل إبراهيم إلى قاعة واسعة داخل الكهف. في وسطها، وجد بركة ماء صافية تعكس صورته. عندما نظر فيها، لم يرَ مجرد انعكاسه، بل رأى مشاهد من ماضيه.
رأى طفولته، أيامًا مليئة بالضحك والبراءة، ثم شبابه حيث ارتكب أخطاء وجرح قلوبًا. رأى لحظات الفرح، ولحظات الندم.
همس الصوت: "لكل إنسان ظلّ يطارده. هل ستتصالح مع ظلك أم تهرب منه إلى الأبد؟"
شعر إبراهيم بثقل الكلمات. أدرك أن جزءًا من رحلته لم يكن عن فهم العالم من حوله، بل عن مواجهة نفسه وقبولها بكل ما فيها من جمال وعيوب.
### نور الداخل
بعد ساعات من التأمل، بدأ إبراهيم يشعر بشيء مختلف. الأصوات أصبحت أكثر هدوءًا، والكهف الذي بدا مظلمًا ومرعبًا في البداية، أصبح مشرقًا بنور داخلي غير مرئي.
همس الصوت الأخير: "الحقيقة ليست شيئًا تبحث عنه في الخارج، بل هي ما تكتشفه في أعماقك. الكهف يعكس ما تحمله في قلبك. إذا ملأته بالخوف، سترى ظلامًا، وإذا ملأته بالسلام، سترى نورًا."
خرج إبراهيم من الكهف بعد أيام، مختلفًا عما كان عليه. لم يحمل معه كنزًا ماديًا، لكنه عاد محملاً بفهم عميق لنفسه وللحياة. أصبح أكثر هدوءًا، وأكثر تصالحًا مع ماضيه، وأدرك أن رحلة البحث عن الحقيقة تبدأ دائمًا من الداخل.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح الكهف بالنسبة لإبراهيم ليس مجرد مكان غامض، بل مرآة للحياة نفسها، تعكس ما نؤمن به وما نخفيه في أعماق أرواحنا.
.::الَّلهُمَّـ اجعَلْـ عَمَلَنَا خَالِصًا لِوَجهَكَـ الكَرِيمِـ::.