ابن النيل و الفرات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ابن النيل و الفراتدخول
مرحب شهر الصوم

العديد من الخدمات للمواقع و المنتديات


الدكتور حسام عقل في ضيافة الألوكة

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد

28042023
الدكتور حسام عقل في ضيافة الألوكة

المقال الأصلي منشور في موقع الألوكة الثقافي
تاريخ النشر : 13/11/2012

الدكتور حسام عقل في ضيافة الألوكة
(الجزء الأول)
 

أجرى الحوار: أ. محمد شعبان الحاج حسن
 

أهم ما جاء في الحوار:

• العمل الدعوي ضِلَع أساسي وجزء عُضويٌّ مِن حياتي.

• بدأت خطيبًا في زاوية صغيرة في المكان الذي كنتُ أقطنه، ثم ارتقيتُ بعد ذلك إلى الخطابة في المساجد الكبيرة.

• لم أنخرِط في العمل الإعلامي بشكل مُنتظِم، إلا حين طلَب منِّي فضيلة الشيخ: "محمد حسان" أن أقدِّم برنامجًا في قناة الرحمة.

• برنامج "لماذا أسلموا؟" كان هو وثيقة التعارف بيني وبين الجماهير، حتى لقد أصبح للبرنامج جمهور في أوروبا.

• مأساة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنه ليس لديهم ذراع إعلامي قوي.

• أنصح صناع القرار أن يَهتموا وأن يُعنَوْا بالبحث العلمي، وأن يدعموه بلا حدود.

• لا بد أن نهتمَّ بوضْع مناهج جديدة، مناهِجَ تخرُج عن مربَّع التلقين والحِفظ والاستِظهار إلى مربع التفكير الابتكاري.

• لا بد من دعم المعلِّمين ماديًّا، وأنا أساند وأؤيد وأزكِّي وجود كادْر خاصٍّ للمعلِّمين، ولا بد من دعم المدارس والمرافق.

• أوروبا ظلَّت خمسة قرون تعتمد على مرجِع وحيد في الطب، هو كتاب "القانون" لابن سينا.

• لا بدَّ أن يكون عند الأديب الحقيقي مَوهِبة يُظاهِرها دعم وصقْل بالدِّراسة.

• كل الأعمال الثورية الكبيرة والانتِفاضات التاريخية الكبيرة مُفرَز ومنتَج إبداع أدبي.

• ينبغي أن يفتح ملفُّ المسلمين في الخارج، وأن نُعادي ونُصادِق في ضوء هذا الميزان.

• لا بد أن نهتم بها وأن نُعنى بالأقليات الإسلامية في الخارج؛ لأنها تتعرَّض لظلم كبير.

• وظيفة الدعاة والعلماء وظيفة توعوية أو تعريفية.

 

والآن إلى نص الحوار:

لقاؤنا اليوم مع رجل جعل من نفسه "الدرع" الواقي لثوابت الأمة من التحريف، ولهُويَّتها من التجريف، ولمعتقداتها من التخريف... لقاؤنا مع رجل صنع من نفسه "العدسة" الكاشفة لآمال وآلام المسلمين، ودعا إلى الله بالحكمة والقول المبين، وعرّفنا بمن يلتحق بموكب الحضارة الإسلامي، وأخبرنا "لماذا أسلموا" لله ربِّ العالمين، نعم؛ إنه الناقد الأدبي، والمفكِّر البارز الدكتور: حسام عقل.

 

الألوكة: دكتور حسام، بداية؛ نرحِّب بسعادتكم على صفحات شبكة الألوكة، ويُسعدنا أن نستضيء بضياء سيرتكم الذاتية والمهنية والإعلامية؟

د. حسام عقل:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وبعد، فأنا حسام محمد السيد عقل من مواليد محافظة الغريبة، وتحديدًا القرية التي منها مسقط رأس أبي، قرية يقال لها: "محلة روح"، وهي تقع في أعمال محافظة الغربية، وقضيت شطرًا مِن طفولتي في "طنطا" ثم انتقلت إلى القاهرة، وعشت في القاهرة معظم أيام عمري.

 

تعلمت في المدارس الأميرية "الحكومية"، ثم التحقتُ بكلية دار العلوم، وتخرَّجتُ فيها عام 1991 بتقدير جيِّد جدًّا، وحللتُ ثالثًا على دفعتي، ومِن أسفٍ أنه في هذا العام لم تكلِّف الكلية أي مُعيدين؛ حيث لم يكن هناك تكليف، ولم يكن هناك تعيين لمُعيدين، ومضت الأمور في أعنَّتها في وجهة أخرى، والتحقتُ وظيفيًّا بمجلس الدولة مراجعًا لُغويًّا للأحكام، وقمتُ بالتحضير لدرجتَي الماجستير والدكتوراه، ثم التحقتُ بالسلك الجامعي بعد الحصول على الدكتوراه عام 2000م.

 

بدأتُ بالعمل في جامعة قناة السويس ثم انتقلتُ إلى جامعة عين شمس، وما زلت بها حتى الآن، وأدرِّس لطلابي مادة البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارَن.

 

وعلى الصعيد الدعويِّ:

أنا أشتغل بالعمل الدعوي منذ سنوات بعيدة؛ فقد بدأت خطيبًا في زاوية صغيرة في المكان الذي كنتُ أقطنه، ثم ارتقيتُ بعد ذلك إلى الخطابة في المساجد الكبيرة، فالعمل الدعوي ضِلَع أساسي وجزء عُضويٌّ مِن حياتي، وما زلت حتى الآن أُباشِر العمل الدعوي من خلال المقالة والمحاضَرة والندوة، ومِن خلال العمل الإعلامي؛ لأن العمل الإعلامي جاء بعد ذلك، وبدأت العمل الإعلامي عندما كنت أُستضاف بصورة متكرِّرة في قناة النيل الثقافية، كنتُ أعلِّق على بعض النصوص، وبعض القضايا الأدبية، وبعض القضايا الفكرية؛ لكن لم أنخرِط في العمل الإعلامي بشكل مُنتظِم، إلا حين طلَب منِّي فضيلة الشيخ: "محمد حسان" أن أقدِّم برنامجًا في قناة الرحمة، فبدأت ببرنامج كانت فكرته غريبة، ورفَضها كثيرون في البداية وتخوَّفوا منها؛ نعم، كان برنامج "لماذا أسلموا؟".

 

"لماذا أسلموا؟" فكرته أني أُجري حوارات مع الذين اعتنَقوا الإسلام، وظللتُ بالفعل أربع سنوات أُجري حوارات مع الذين اعتنَقوا الإسلام، من الشرق والغرب، مِن كولومبيا إلى فرنسا إلى إنجلترا إلى إفريقيا، وكانت حوارات تمثِّل دروسًا لي على المستوى الشخصي، وكنتُ أتَّعظ بهذه الحوارات وأتعلَّم منها.

 

وبرنامج "لماذا أسلموا؟" كان هو وثيقة التعارف بيني وبين الجماهير بالفعل، حتى لقد صار للبرنامج جمهور في أوروبا، حتى إنني قبل هذا اللقاء بساعة جاءتني مكالمة مِن الأخت أم أنس من إسبانيا، وهي ممن يتابعنَ البرنامج منذ فترة طويلة، والحمد لله.

 

برنامج "لماذا أسلموا؟" أصبح وثيقة تعارُف بيني وبين الجماهير، ثم تواصَل بعد ذلك العمل الإعلامي فقدمت برنامجًا إخباريًّا اسمه "العدسة"، والآن أقدِّم برنامجًا فكريًّا إخباريًّا اسمه "الدرع" أدافع فيه عن هوية الإسلام وعن القرآن وعن السنَّة في وجْه هجمات المشكِّكين والمعطِّلين والملاحِدة، وتعرَّضتُ بسبب هذا لمعاركَ كثيرة، لكن أنا حفيٌّ بهذه المعارِك؛ لأن مَن يتصدَّى لمنافَحة الباطل لا بدَّ أن يَدفع ضريبة أو ثمنًا باهظَ الثِّقَل، وأنا لا أدري هل يعتبر البعض ذلك سبَّةً أم إساءة؟ لكن منذ فترة قريبة وجدت أن أحد المواقع "اللا دينية" في سوريا اسمه موقع "الطبيعيِّين" أو "اللا دينيِّين" العرب ووجدتُ هذا الموقع يشنُّ عليَّ حملة كبيرة، "حسام عقل عدو المُلحِدين، وعدو القرآنيين، وعدو...."، فأيقنت أني أتحرَّك في الطريق الصحيح، وأن شتائم هؤلاء وسبَّ هؤلاء دليل على أننا نقدِّم شيئًا يستحِق أن يبقى.

 

أما على المستوى الشخصي:

فأنا زوج وأبٌ لابن اسمه مازن أدعو الله - عز وجل - أن يَسير على نهج الدعوة وعلى درْب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يقدِّم للأمة شيئًا مفيدًا، هذه هي السيرة الذاتية بوجه عام، ومِن المحطات التي أَعتبرها شيئًا مهمًّا في حياتي حصولي على جائزة الدولة التشجيعية عام 2010 عن كتاب اسمه "مخاضات الخِطاب الشِّعري المعاصِر" قدمت فيه نقدًا لبعض الخطابات والتجارب الشعرية التي ظهَرت في الفترة الأخيرة.

 

الألوكة: أستاذنا، هناك صِنف من الإعلام ورجاله يجعلون الحق باطلاً، والباطل حقًّا، ويُلبِّسون على الناس، بعد مشواركم في الإعلام؛ كيف ترون دور الإعلام الحقيقي في صناعة الفكر وتوجيه عقول الناس؛ والنهوض بأمتنا شعبًا وحكومة، وكيف يؤثر الإعلام على العقول ويدفعهم إلى وجهة ربما لا يريدونها؟

د. حسام عقل: دائمًا ما أقول:

الإعلام هو الذي يرتِّب للناس الأولويات، هو الذي يرسُم النموذج الحضاري، هو الذي يبصِّر الناس بملامح الطريق، هو الذي يوضِّح لهم منظومة القِيَم التي تحكُم أو التي يَنبغي أن تحكم، هو الذي يبصِّرهم بمناطق الخلَل والعَوار في المسيرة؛ سعيًا لتصويب هذه المسيرة وتصحيحها، ولذلك أصبَح الإعلام في العالم المعاصِر شيئًا مهمًّا، ومأساة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنهم ليس لديهم "ميديا"، ليس لديهم ذراع إعلامي قوي، لكنَّ الصهاينة مثلاً عددهم في العالم يقدر بـ14 مليونًا، وربما أقل من ذلك، لكن لديهم ذراع إعلامي قوي يستطيع أن يسوِّق قضاياهم حتى ما كان منها ظلمًا صُراحًا، ويستطيعون أن يُسوِّقوا حتى لظلمِهم مِن خلال هذا الذراع الإعلامي القوي، والإدارة الأمريكية - مثلاً - تُنفِق على خطابها الإعلامي سنويًّا مائتَي مليار دولار، وهي لا تلقي هذا المبلغ ليكون حَرثًا في الماء؛ فهي تدري أنها عندما تُحكِم القياد والسيطرة على الإعلام، تُحكم القياد والسيطرة على الأدمغة والعُقول، وتستطيع أن تؤثِّر في الناس تأثيرًا كبيرًا، وكان مما قرأت أخيرًا كتاب صادر في أمريكا اسمه: "media the second god" تخيَّل أنهم يَعتبرون الإعلام هو الإله الثاني! هذا هو عنوان الكتاب: "الإعلام الإله الثاني"، يعني هم يُثمِّنون الإعلام غاليًا، ويَستخدمون الإعلام ويوظِّفونه لخدمة القضايا السياسية على أفضل ما يكون، لكن للأسف الإسلام والمسلمون ليس لديهم حتى الآن إعلام مِهني له طابع أداءٍ احترافيٍّ يستطيع أن يسوِّق لقضاياهم، وأن يُعرِّف بها، وأن يدافِع عنهم، وأن يصدَّ الهجمات التي تحصل، ولذلك ما أنادي به أن يُبادر النُّخبة والدعاة وصفوة الأمة إلى محاولة تأسيس عمل إعلامي حقيقي ورصين يستطيع أن يُدافع عن قضايانا وأن يسوِّقها، ويستطيع أن يقدِّم مِن خِطاب الآداب والفنون ما يستطيع أن يدخل به كل بيت.

 

الألوكة: د. حسام، نحن تحدثنا عن التجربة الإعلامية من قبل، ولكننا نريد أن نستفيض فيها بعض الشيء، فسعادتكم لكم حضور وقبول كبير على الشاشة، ولكم طرح مميز، فماذا لو حدثتنا عن تجربتكم الإعلامية الناجحة، وبعض المواقف التي تعرَّضتُم لها خلال مشواركم؟


د. حسام عقل:

أنا أعتقد أن مِن تجاربي الإعلامية الناجحة برنامج "لماذا أسلموا؟"؛ لأنني بذلت جهدًا كبيرًا في مسألة التوثيق والإعداد، ثم إنه تأتي إلى مشكلة أخرى أن تُقنع الناس بالظهور أمام الشاشات لمَن لم يَحترِف الظهور أمام الشاشة، ثم مشكلة ثالثة وهي أن تُتَّهم ظلمًا بأنك تسوِّق لفتنة طائفية أو تدعو إلى كذا وكذا، مع أنه ليس مِن منهجي تجريح عقائد أحد، ومنهجي هو التعريف بالإسلام دون تجريح في عقائد أحد.

 

وكان من أصداء برنامج "لماذا أسلموا؟" أنني تعرَّضتُ لهجوم بشع مِن "كائن" لم أكن أعرفه مِن قبل اسمه "القس زكريا بطرس"، هذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها هذا الرجل، ووجدته يشنُّ هجومًا كبيرًا عليَّ بعد أن قدمت حلقتَين عن "إدريس توفيق"، وكان مساعدًا للبابا "يوحنَّا بولس الثاني" كان مساعدًا لبابا الفاتيكان واعتنق الإسلام وتَسمَّى باسم إدريس توفيق، وأعددتُ معه حلقتَين مرئيتَين كان لهما من الأصداء الشيء الكثير، لدرجة أن صواب زكريا بطرس طاش، لكنني وثقتُ هنا، وكنت من الأصوات المبكِّرة التي حذَّرتْ مِن أقباط المهجر؛ فأقباط الداخل نحن نعرفهم ويعرفوننا، وتَصِلنا بهم الأسباب والوشائج الوثيقة والروابط، وبيننا تعاون في أمور كثيرة، وهذا مما لا يَنهى عنه الدِّين؛ نحن نتشاطر وطنًا واحدًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن ظلَم مُعاهَدًا أو انتقَصه حقَّه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخَذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حَجيجه يوم القيامة))، حتى إن ابن تيمية كان يُفاوِض "قازان" ملك التتار في استِرداد الأسرى فأصرَّ أن يستردَّ الأسرى اليهود والمسيحيِّين وليس المسلمين فقط، والأدلة في هذا الباب كثيرة، حتى إن البغدادي في كتاب "الفِرق" قال: "ينبغي أن يُعانوا على دفع الظلم"، ليس فقط على حسن الجوار، لا؛ بل نحن نُعينهم على دفع الظلم إذا تعرَّضوا لظلْم، والقرآن نفسه بثَّ فينا هذا الحسَّ؛ فحين نفتح سورة النساء نجد أن تسع آيات مِن سورة النساء نزلت تُبرِّئ يهوديًّا اتُّهم ظلمًا بالسرقة، وكان السارق مُسلمًا، وقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107]؛ إذًا معنى هذا أن العلاقات بيننا في الداخل المصري علاقة طيبة وقديمة وعريقة، لكن أقباط المهجر لهم أجندة أخرى، أجندة شريرة خبيثة تسعى إلى تلغيم الوضع المصري، ولذلك كنتُ مِن الأصوات المبكِّرة التي حذَّرت مِن موريس صادق وعصمت زقلمة، وكانت التحذيرات مِن فترة مبكِّرة جدًّا من سنوات، وللأسف حدث ما تخوَّفتُ منه فتم تصدير اللغم الكبير بهذا الشيء الذي يُسمى "فيلمًا"، ولا علاقة له لا بفنٍّ ولا بفيلم ولا بخطاب دِرامي، ولا حتى بحرية.

 

الألوكة: د. حسام، تفضلتم بالكلام على برنامج "لماذا أسلموا؟"، ولم تتكلموا عن برنامجَيكُم "الدرع"، و"العدسة"، فهلا تحدثنا عنهما؟

د. حسام عقل:

برنامج "لماذا أسلموا؟" كان الاستِمرار فيه أربع سنوات حتى أحسسْتُ أنه أوفى غايتَه وقدَّم مادةً توثيقيَّة ضخمة مُنتشِرة الآن على الإنترنت وفي المواقع، قدَّمنا للناس زادًا طيبًا يستطيعون أن يتحرَّكوا مِن خلاله، لكن أحسستُ أنه بعد الثورة لا بدَّ أن نُخاطِب الجماهير، ولا بد أن نُلامِس أفق الجماهير؛ فحتى متى سيظل الخطاب الإسلامي الدعوي الإعلامي خطابًا فوقيًّا أو خطابًا محمَّضًا داخل أستوديو؟!

 

الألوكة: أستاذنا، تدلُّ البراهين على أن الأمم لا تنهض إلا بالعلم، وهذا هو التحدي الأكبر أمام قادة الأمة الآن، فنريد من سعادتكم "روشتة" سريعة تُقدِّمها لصناع القرار في البلاد؛ وخاصَّة أنكم صاحب المقولة الشهيرة (على الإنسان أن يكون دودة كتُب)؟

د. حسام عقل:

إن كان لي أن أنصح صناع القرار فأنا أنصحهم أن يَهتموا وأن يُعنَوا بالبحث العلمي، وأن يدعموه بلا حدود، وأن يدعموا ميزانيات وزارة البحث العلمي، وأن يدعَموا ميزانيات الجامعات المصرية والكليات المصرية، مع التركيز على الكليات ذات الطابع التجريبي التي لها علاقة مباشِرة بسوق العمل، والتي لها علاقة مباشِرة بتحسين وتجويد المنتَج الزراعي، ولها علاقة مباشِرة بتعمير سيناء، وأنا أقترح على أصحاب القرار في مصر استِحداث وزارة قائمة برأسها لتعمير سيناء، وأتمنى من صناع القرار أن يوجِّهوا جزءًا كبيرًا مِن الموازنة العامة لدعم المرافق والمدارس والمعاهد والبحث العلمي في البلاد، وهذا خَيره سيأتي ناجزًا وعاجِلاً وسريعًا في صورة زراعة محسَّنة باكتفاء ذاتي من القمح والغلال والحبوب، أيضًا في صورة تصنيع متفوِّق، وتوفير فرص عمل؛ لأن سوق العمل في مصر يحتاج إلى 750 ألف فرصة عمل سنويًّا، هذه مشكلة لا بد أن يفكِّر فيها صانع القرار بهدوء، خصوصًا مع وجود عجز في الموازنة العامة، ووجود عجز وتراجُع في قيمة الدَّين العام، وبالتالي لا بدَّ أن نهتمَّ بملف الاقتصاد وملف دعم وتزكية البحث العلمي، وهذا أكثر ما أُنادي به، لا بد على التيار الإسلامي أن يتوجه في خطابه إلى أدبيات العدالة الاجتماعية وتحسين المستوى المعيشي للفقراء.

تعاليق

ملتقى السرد العربي
الدكتور حسام عقل في ضيافة الألوكة
(الحلقة الثانية)


أجرى الحوار: أ. محمد شعبان الحاج حسن


أهم ما جاء في الحوار:

• لا بد من دعم المعلِّمين ماديًّا، وأنا أساند وأؤيد وأزكِّي وجود كادْر خاصٍّ للمعلِّمين، ولا بد من دعم المدارس والمرافق.

• أوروبا ظلَّت خمسة قرون تعتمد على مرجِع وحيد في الطب، هو كتاب "القانون" لابن سينا.

• لا بدَّ أن يكون عند الأديب الحقيقي مَوهِبة يُظاهِرها دعم وصقْل بالدِّراسة.

• كل الأعمال الثورية الكبيرة والانتِفاضات التاريخية الكبيرة مُفرَز ومنتَج إبداع أدبي.

• ينبغي أن يفتح ملفُّ المسلمين في الخارج، وأن نُعادي ونُصادِق في ضوء هذا الميزان.

• لا بد أن نهتم بها وأن نُعنى بالأقليات الإسلامية في الخارج؛ لأنها تتعرَّض لظلم كبير.

• وظيفة الدعاة والعلماء وظيفة توعوية أو تعريفية.

 

والآن إلى الجزء الثاني من الحوار الماتع:

نكمل حوارنا مع رجلٍ صنع من نفسه "العدسة" الكاشفة لآمال وآلام المسلمين، ودعا إلى الله بالحكمة والقول المبين، وعرّفنا بمن يلتحق بموكب الحضارة الإسلامي، وأخبرنا "لماذا أسلموا" لله ربِّ العالمين، نعم؛ إنه الناقد الأدبي، والمفكِّر البارز الدكتور: حسام عقل.

 

الألوكة: في كلمات محدودة نريد معرفة رأيكم حول العملية التعليمية (المؤسسة - المعلم - الطالب - الأسرة - مراكز البحث) في مصر؛ ولماذا تفوَّق الغرب علينا؟

د. حسام عقل:

العملية التعليمية في بلادنا أولاً ميزانياتها ضَحلة، هذه واحدة، الأمر الثاني: لا يخطَّط لها مطلقًا، يعني ما يصنعه وزير مع تدحْرُجه عن سُدَّة الوزارة يأتي وزير آخَر فيُهيل التراب على كل ما قدَّمه، ويَستحدِث هياكل وأبنيَةً جديدة، وبعد استِحداثها وبعد تمام بنائها يأتي وزير ثالث فيَنقض ما بنَى مَن قبله ويَصنع هياكل جديدة، وبالتالي تخضَع العملية التعليمية والمنظومة التعليمية لعمليات تجريب عشوائيٍّ لا صلة لها بالبحث العلمي ولا بالخُطَط العلمية طويلة المدى أو قصيرة المدى، فلا بد أن نهتمَّ بالمدرسة، لا بد أن نهتمَّ بالطالب، لا بد أن نهتمَّ بدعم المدرَسة ماليًّا لا بد أن نهتمَّ بوضْع مناهج جديدة، مناهِجَ تخرُج عن مربَّع التلقين والحِفظ والاستِظهار إلى مربع التفكير الابتكاري، إلى مربع المُساءلة، إلى مربَّع التفكير الحرِّ، إلى مربع النقاش والحوار، إلى مربع استِحداث الجديد، وهنا نقول: إن القرآن يحفِّز هذا؛ فالفعل "عقَل" وما يُشتَقُّ منه ذُكر في القرآن نحوًا مِن خَمسين مرَّة.

 

الألوكة: ولماذا تفوَّق علينا الغرب؟
د. حسام عقل:

تفوَّق علينا الغرب لعدة أمور؛ الأمر الأول: استِقرار النظام السياسي الحضاري؛ فهم قد وضعوا آليةً لتسليم مقاليد السلطة بشكل حضاريٍّ يَضمن حقْن الدِّماء، فوجود نظام سياسي مستقِرٍّ بدأ مِن وثيقة "الماجناكارتا" المعروفة في إنجلترا، وصولاً إلى الثورة الفرنسية واستِحداث العمل النيابي، ووجود حياة نيابيَّة تُسائل وتُحاسب الحاكِم حين يُخطئ، ثم تغيير وضخِّ دماء جديدة عندما يُسيء أو عندما يَظلم أو حتى عندما ينخفض أداؤه السياسي، كل هذه الأنظمة السياسية الناشِطة أتاح لهم نظامًا سياسيًّا حيويًّا دعمهم بأرصدة من القوة.

 

الأمر الثاني: الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، والاهتمام بالاقتصاد والبناء، وليس الاهتمام بالقروض، الاهتمام بالاقتصاد والبناء أن يكون عِندهم اقتصاد أو بِنيَة اقتصاديَّة مُتفوِّقة يستطيعون أن يَبنوا عليها، أن يدعموا المشروعات البحثيَّة، أن يدعموا عمليات التطوير الاقتصادي، أن يدعموا ترسانات الأسلحة، أن يستحدثوا سلاحًا جديدًا يُدافِعون به عن أنفسهم، فأنا أظن أن ضِلع العدالة الاجتماعيَّة وضِلع الاستِقرار السياسي عامِلان حاسِمان في تطوُّر النُّموذج الأوروبي، سواء النُّموذج الفَرانكفوني أو النموذج الأنجلوسيكسوني.

 

الألوكة: وما سبُل تقوية العملية التعليمية والبحثية في الوطن العربي؛ لكي نرتقي بالبحث العلمي؟

د. حسام عقل: سبُل تقوية العملية التعليميَّة والبحثية في الوطن العربي:

أولاً: لا بد من وضْع خُطَط بعيدة المدى، مُنضبِطة، لا تَرتبِط بأشخاص مَن وضَعوها، يعني تملُّك آلية الاستمرار والنَّماء بغضِّ النظر عن شخصية الوزير، هذه واحدة.

 

الأمر الثاني: دعم المعلِّمين ماديًّا، وأنا أساند وأؤيد وأزكِّي وجود كادْر خاصٍّ للمعلِّمين؛ لأنه إذا دُعم المعلِّم ماديًّا انصلَحت أمور كثيرة، وأذكر هنا أن "شيكوف" كان يقول في روسيا: كيف تُعطون للمعلِّم الروسي عشرين روبيل ثم تَطلبون منه أن يقدِّم عملية تعليمية وحضارية جيدة؟! فلا بد مِن دعم المعلم ماديًّا.

 

دعم المدارس والمرافق؛ أن يكون كل مدرسة فيها معمل، فيها فِناء محترَم، فيها فناء آدميٌّ يَجتمع فيه الطلاب، وليسوا مكدَّسين كأنهم قِطَع سَردين في علبة صغيرة، دعم المدرَسة مسألة مهمَّة أن يكون فيها محفِّزات جاذبة، أن أُحدِث صيحةً فيها - كما قالت أستاذة أمريكيَّة في جامعة استانفور -: "تعليم بلا دموع"، تعليم يُحدِث لدى الطالب حالةً مِن السعادة، ولا يُحدِث لدَيه حالة مِن الانقِباض والنُّفور.

 

الألوكة: يدَّعي بعض الحاقدين على الإسلام أن العِلم يَتعارض مع الدين.. كيف نرد عليهم من خلال حضارتنا الإسلامية التي يمثل العلم جزءًا مهمًّا منها؟

د. حسام عقل:

أتصوَّر لو أننا ضيَّقنا الدائرة فسنقول: الإسلام أكبر دائرة للعلم؛ فكتاب وحْي يبدأ بـ﴿ اقْرَأْ ﴾.. لا شك أن ذلك يحفز العلم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، حتى إن ابن مسعود قال: "أيها الناس، افهموا هذه الآية ولتُرغبنَّكم في العِلم"، فهذا دين لا يُعادي العِلم، بالعكس يحفز، ولذلك لم يَرِدْ في سورة محمد: فظُنَّ أن لا إله إلا الله، ولم يرِدْ: فاعتقد أن لا إله إلا الله، ولكن جاء: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾، كأنه لا يُتوصَّل إلى تصحيح العقائد وتنقيح العقائد وتهذيب العقائد إلا بالعِلم؛ فالعِلم وسيلة ملازِمة، وليس على طريقة القدِّيس "أوجاسطين" حين كان يقول لتلاميذه: "أغمِض عينَيك ثم اعتقد" لا، الإسلام يقول: اجعل عينَيك مفتوحتَين؛ تقرأ وتفكِّر، وتتدبَّر، والفعل "عقل" - كما قلنا - وما يُشتَقُّ منه، ورَد في القرآن نحوًا مِن خمسين مرة، هذا غير الكلام عن أُولي النُّهى وأصحاب العقول، وعن، وعن... وأظن أن هذا الحديث متواتِر في القرآن والسنَّة، فأنا أتصوَّر أن الإسلام أكبر حافِز على العِلم، ولذلك وصَل إلى ذِروة المدِّ العِلمي في العصر العباسي مع حركة الترجمة مع وجود المُختبَرات، مع وجود المعامل، مع وجود مراصِد فلكيَّة كانت منبثَّة في العالم الإسلامي وفي حواضره وعواصمه تراقِب أجواء الفضاء الرحيب، كل هذا مِن مُفرَز ومنتَج هذه الحضارة القرآنية الداعِمة للعِلم.

 

الألوكة: علماء المسلمين القدامى كانوا هم النواة التي بنى الغرب حضارته على جهودهم وأعمالهم، فهل تُطلِعنا على نماذج من علماء المسلمين الذين نبغوا في العلوم التجريبية مثل الفلك والطب والصيدلة... إلخ، وتذكرنا ببعض ما قدموه للبشرية؟

د. حسام عقل:

نعم؛ إن أوروبا ظلَّت خمسة قرون - انظر خمسة قرون في عمر الزمن، يعني 500 سنة - ظلت أوروبا خمسة قرون تعتمد على مرجِع وحيد في الطب هو كتاب "القانون" لابن سينا، وأنا سأضرب مثلاً بسيطًا ونحن نتكلم على العلماء؛ فكتب الطبقات والرجال تَنسلِخ دونها الأعمار، نحتاج أعمارًا على عُمرنا حتى نعدِّد كل عالِم وتاريخه وتطوَّره وتلاميذه وأساتذته وما أسهَم وما قدَّم، ومِن المدرسة البصرية أم المدرسة الكوفية، لكن أنا أقول: يكفي أن تَذكُر ابن سينا، يكفي أن تذكُر البيروني الذي قدَّر الوزن النوعيَّ لثمانية عشر نوعًا من المعادن، يكفي أن تذكر جابر بن حيان وفتوحاته في الكيمياء، والحسن بن الهيثم وفتوحاته في عِلم البصريات، إذًا معنى هذا أن لدَينا رصيدًا علميًّا كبيرًا ورموزًا علمية كبيرة، يَكفي أن تَذكُر ابن رشد الذي كانت له مدرسة في داخل أوروبا تؤمن بفِكره وتُدافِع عنه، وما تزال لهذه المدرسة امتدادات حتى الآن، فنحن لدَينا مِن العلماء عشرات قدَّموا بصمات وإسهامات حقيقية.

 

الألوكة: وهل يرتبط البحث العِلمي بالاختراع والتكنولوجيا فقط أم إنه يُمكن استخدامه في اللغَة والتاريخ والفلسفة والفنون الأخرى؟

د. حسام عقل:

طبعًا التكنولوجيا من الممكِن أن تؤثِّر في مُحتوى حياة الناس اليوميَّة، بما في ذلك خِطاب الآداب والفنون؛ فاليوم خطاب الآداب والفنون عنده مزيَّة نوعيَّة يختلف بها عن خطاب الآداب والفنون منذ 20 أو 30 عامًا؛ ووجود فضاء الإنترنت اليوم غيَّر في مُحتويات الآداب والفنون، وتقنيات الإنترنت استُخدمَت بكثرة؛ فمثلاً: "إبراهيم عبدالمجيد" له رواية اسمها: "في كل أسبوع يوم جمعة" قائمة كلها على فِكرة المحاورة أو المحادثة "the chatting"، قائمة كلها على فكرة وفَضاء الإنترنت وثقافة الإنترنت، كثير مِن الإنتاج القصصي للكاتب الشاب "شريف عبدالمجيد" قائمة على فَضاء الإنترنت ومحادثات الإنترنت، فضاء الإنترنت أيضًا خلَق حالة مِن الإبداع نُسميها نحن "أدب المدوَّنات"، أدب المدوَّنات هذا ما كان يُمكن أن يَظهر لولا فضاء الإنترنت، وهذا يَختلف في الجملة، ويختلف في المنظوم، ويختلف في المفرَدة، ويَختلف في الرؤية عن الأدب الذي كان يُكتب قبل ثلاثة أو أربعة عقود، فلا جدال أن التطور التقني والتكنولوجي أثَّر في محتوى خطاب الآداب والفنون تأثيرًا جذريًّا.

 

الألوكة: معذرة نحن لا نتكلم عن التأثير، نحن نتكلم فقط عن اللغة؛ إذا أراد باحث أو معلِّم أن يبحث في علوم اللغة أو التاريخ أو الفلسفة فكيف يَستخدِم البحث العِلمي في ذلك؟

د. حسام عقل:

نعم؛ أنت تقصد دراسة ظواهر اللغة باستخدام التقنيات الحديثة، طبعًا هذا موجود، وهذا هو الفارق بين ما كان يُسمَّى في التراث القديم "فقه اللغة"، فالإمام الثعالبي ألف كتاب "فقه اللغة"، لكن الآن لم يعدْ ما يُدرس الآن اسمه "فقه اللغة"، أصبح ما يدرس الآن اسمه "عِلم اللسانيات"، ووَصلنا إلى ما يُسمَّى "عِلم الأُسلوبيات"، فدراسة الظاهِرة اللغوية تأثَّرت بالفِكر التكنولوجي وبالفكْر المدني الحديث، تأثرت بالمدارس النفسية الجديدة، وبدأ يظهر اتجاه يفسِّر ظواهِر اللغة على أساس سيكولوجي أو نفسي، وبدأ يظهر اتجاه في دراسة الظواهر اللغوية قائم على الاستِفادة مِن الدِّراسات السوسيولوجية والاجتماعية الحديثة، فليس ثمَّة جِدالٌ أنه حتى دراسة ظواهر اللغة والتراث أفادت مِن إنجازات العلوم الحديثة.

 

الألوكة: كيف يتبوَّأ المبتدئ والشادي مكانًا سامقًا في عالم الأدب، أو ما هي السبيل التي يَنبغي للمرء سلوكها حتى يكون مِن المبرَّزين في عالم الأدب؟

د. حسام عقل:

أولاً الأدب موهبة؛ والفنُّ موهبةٌ، فإذا لم يأنَس في نفسه موهبةً ابتداءً فلا داعي لأن يَرتاد هذه المساحة، وقد يُبدِع في مساحة أخرى؛ فمثلاً: أنا لا أستطيع أن أنظم شعرًا، وليس لديَّ حساسية الإحساس بالتفعيلة، أو حساسية الإحساس بالمفرَدة وبالتعبير الشعري وبالسَّطر الشِّعري، هذه المَوهبة (المادَّة النقية) ليستْ موجودة ابتداءً، مهما استَحدثْت مِن الكورسات، ومِن الدورات والمحاضَرات، لن أستطيع أن أُبدِع سطرًا واحدًا؛ لأن المادة الخام غير موجودة، فأولاً: توافُر المَوهِبة.

 

ثانيًا: الموهبة لا بدَّ أن تُصقَل بالاكتِساب والخِبرات، بمعنى أن أتلقى عن الأساتذة، وأن أتعلَّم أداءً حِرَفيًّا مهنِيًّا دقيقًا، إذا كنتُ شاعرًا لا بدَّ أن أَحذِق العَروض وأن أفهمه؛ أن أعرف ماذا يعني العَروض؟ ماذا يعني تفاعيل وأوزان؟ ماذا يعني زِحَافات وعِلَل؟ إذا كنتُ أَكتب القصة أعرف كيف يتمُّ تَشكيل العالَم القصصي؟ كيف يَتمُّ رسم الشخصية الروائية؟ كيف تتمُّ عملية البناء السَّرديِّ أو الروائي؟ لا بدَّ أن يكون هناك مَوهِبة يُظاهِرها دعم وصقْل بالدِّراسة.

 

الألوكة: في تصوُّركم ما دور الأدباء الإسلاميين في المجتمَع في ظل الصحْوة الإسلامية التي نَشهدها، خاصَّة بعد أنِ احتلَّ العلمانيون مجالات الأدب؟

د. حسام عقل:

الإسلاميون - في تصوُّري - عليهم دور كبير فلا بد:

- أولاً - أن يكون لهم ذراع إعلامي قوي يُعرِّف بآدابهم وفُنونهم؛ لأنه ما قيمة أنك تُبدع... تَكتُب ديوانًا شِعريًّا لا يقرؤه أحد ولا ينظر فيه أحد؟! ما قيمة أن تكتب مجموعة قصصية لا يَقرؤها إلا أنت وأقاربك، لا بد أن يكون لنا ذراع إعلامي يُعرِّف بما نُنجِز ونُنتِج مِن خطابات آداب وفنون.

 

الأمر الثاني: كل الأعمال الثورية الكبيرة والانتِفاضات التاريخية الكبيرة مُفرَز ومنتَج إبداع أدبي؛ فمثلاً: يذكرون أن أعمال ومسرحيات فرانشييه كانت المقدِّمة الطبيعية للثورة الفرنسيَّة، عندنا كذلك في الأدب الأندلسي قصيدة أبي إسحاق حين كنا ندرُسها كان يقال عنها القصيدة التي فجَّرت الثورة، كان هناك قصيدة يُمكن أن تفجِّر ثورة، أن تحرِّك أهالي غرناطة للدفاع عن كرامتهم المُستباحة فلا بدَّ أن يكون لدَينا خطاب آداب وفنون يُظاهر الحالة الثورية، ويدعم ولاءات الناس، ويدعم أشواق وطموحات الناس.

 

 

الألوكة: يتعرض المسلمون الآن في بعض الدول إلى مذابح ومآسٍ وتهجير، وذبْحٍ على الهوية لا أكثر ولا أقل؛ فقط لأنه مسلم أو لأنه سنِّي، فهل تسلِّطون الضوء على بعض هذه المتاعب التي يتعرَّض لها المسلمون في الخارج؟

د. حسام عقل:

والله إذا كنت تقصد الأقليات الإسلامية، يَكفي أن تستدعي إلى الذاكرة ما يَحدُث في ميانمار، المسلمون يُقتلون أحياء، يُحرقون أحياء، تُفرَض عليهم قوانين مدنية عَجيبة تَحرمهم مِن النسل، وتَحرِمهم مِن الذرية، وتَحرِمهم مِن النكاح، أشياء تردُّنا إلى عصور العبودية الأولى؛ هذه أقلية إسلامية تُعاني هناك.

 

سجَّلت الإحصاءات أنه بعد أحداث الحادي عشر مِن سبتمبر نسبة جرائم العُنصرية ارتفعَت في أمريكا إلى 1600 في المائة ضدَّ المسلمين، بما في ذلك الاعتداء على المساجد، بما في ذلك إحراق المساجد، بما في ذلك الاعتداء على المحجَّبات، ورأينا ما حدَث لمروة الشربيني، ومقتَلها داخِل باحَة المحكَمة، إذًا جرائم العنصرية ضدَّ الأقليات الإسلامية وضدَّ الجاليات الإسلامية موجودة وبكثرة، خصوصًا مع صعود المد اليميني في أوروبا، حتى إن أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي استحدث مُصطَلحًا جديدًا عنون به كتابًا مُهمًّا مِن كتبه وهو "فقه الأقليات"، وهناك فقه الآن يُستحدَث للأقليات الإسلامية التي تعيش في المهجَر؛ لأنها تتعرَّض لضغوط شديدة، وتتعرَّض لعنَتٍ ومشقَّة شديدَين، فلذلك ينبغي أن يفتح ملفُّ المسلمين في الخارج، ويَنبغي أن ندرسه بما يَنبغي مِن الاهتمام، وأن نُعادي ونُصادِق في ضوء هذا الميزان، أنا لا أفهم كيف تكون العلاقات بيننا وبين بكِّين حِنطَةً وعسلاً ونحن نعرِف أن الحكومة الصينية في بِكين تدعَم النظام البوذيَّ في ميانمار، وتُعطيه الضوء الأخضر لذبح المسلمين هناك؟!! كيف نفهم قول الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]؟! كيف نُظهر لهم هذا الودَّ ولا نثير معهم في الاجتماعات الدبلوماسية قضية المسلمين في ميانمار؟!!

إنني أقول: لا بد أن نهتم بها وأن نُعنى بالأقليات الإسلامية في الخارج؛ لأنها تتعرَّض لظلم كبير.

 

الألوكة: هذا الكلام يأخذنا إلى سؤال آخَر، وهو: ما دور العلماء والأمة كلها في مساعدة مسلمي الخارج الذين يتعرَّضون لهذا العنَت والمشقَّة مِن البوذيِّين وغير البوذيِّين؟؟

د. حسام عقل:

وظيفة الدعاة والعلماء أولاً وظيفة توعوية أو تعريفية؛ أن نوضح للناس المسار، فالناس أمامهم البوصلة مغبَّشة مضبَّبة لا يستطيعون أن يُبصروا ملامح الطريق، فمهمتنا هي أن نبصِّرهم بملامح الطريق، أن نَرسم لهم النموذج، أن نُعرِّفهم كيف يَستنزلون المبدأ القرآني والمبدأ السنِّي في واقع الحياة المعاصِرة الآن، هذا هو الواجب، والواجب أيضًا أن نُثقِّفهم، وأن نُعرِّفهم بالتاريخ الإسلامي، وبالتاريخ الإسلامي الحديث، وأن يَعرفوا ما يدور لأشقائهم، وما يحدث لأشقائهم في بقاع العالم وأصقاعه.

 

الألوكة:

وختامًا أستاذنا الكريم نَشكُر لكم حسْن تعاونك معنا، ونَشكُر لكم هذه الكلمات الرائعة، ولعلها تكون إضافة إلى المكتبة الإسلامية، وإن كانت قليلة في مبانيها، ولكنها كثيرة في معانيها، ولعلها تفتح آفاقًا جديدة للباحث أو الراغب في النهضة لهذه الأمة، وشكرًا لك يا سيادة الدكتور، وبارك الله فيكم.
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
remove_circleمواضيع مماثلة
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى