ابن النيل و الفرات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ابن النيل و الفراتدخول
مرحب شهر الصوم

العديد من الخدمات للمواقع و المنتديات


أسطورة السيد دودي

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد

24102017
أسطورة السيد دودي

منذ الطفولة والمفك الصليبة دوما يشعرني بأن العالم بخير، وبأن هناك مساحة ممكنة دوما للسلام الداخلي.
انطباق صليبة المفك على أي مسمار "صليبي" الرأس..كان يشعرني أن هناك حلٌ مناسب لكل شيء في هذا الكون، وأن هناك أغراض-بطبيعتها- على وئام ناموسي مع أغراض أخرى.
استقرار رأس المفك البارزة داخل رأس المسمار المجوفة، كان سحريا بالنسبة لي، كان أحجية تكتمل كالمعجزة أمام عيني.
كنت أدير المفك الصليبة فيطاوعه المسمار في خضوع غريب، وأظل أراقب الاستدارات اللولبية على جسم المسمار وهو ينفك رويدا رويدا، بينما لولبيتها ودائريتها تخادعان بصري فيبدو المسمار كما لو كان يستطيل إلى ما لانهاية.
المفك الصليبة كان يشعرني أنني ناجح في جملة المهارات الذكورية المطلوبة من فك وربط وهدم وبناء وتصليح.
وعادة ما كنت أفكك به في التسعينيات، ترسانة الألعاب التي أحضرها لي أبي الثمانينيات ( الأطباق الطائرة والدبابات وباقي عدة الحرب..جنبا إلى جنب مع القطار المذهل الذي كنت امتلكه في طفولتي والذي أثق أنه ستدب فيه الروح يوما ما وينتفض من الصندوق المغبر الذي يقبع فيه، كي ينقلني إلى عالم سحري آخر).
وكانت سنو عمري تسرق مني رويدا رويدا، بينما لا أكن تجاه الأدوات-عموم الأدوات- سوى كراهية المشوش لدى استخدامها..
كل الأدوات..سوى المفك الصليبة.
***
بالأمس فقط أمسكت الشنيور للمرة الأولى في حياتي..مستخدما لا مناولا.
أنا أمام الحائط، ومن المفترض أن أزج ب"البنطة" داخل الجدار كي أجري ثقبا محسوب العمق..كي نعلق ستارة ما أو شيئا ما من هذه الأشياء التي تعلق من وقت لآخر..لا أتذكر حقيقة.
التجربة مذهلة، كونية، صاعقة، كاسحة..بالنسبة لي (مهما بدا لك الأمر تافها أو مألوفا)
تحسست الجدار بيسراي وأغمضت عيني، كأني أستبين ذرات الحائط وأخترقها بروحي، كأني أفهم-دفعة واحدة- كيف هي متماسكة وكيف سأخلخلها أنا دون أن أدمرها، ودون أن أعتدي على كبرياء جدار من جدران منزلي الذي يؤيني.
في لمستي، ذبت في الجدار، أحسست بكل بكل مكوناته: طبيعتها، رائحتها، تاريخها، خواصها، تفاعلها، نقاط ضعفها، مشاعرها.
رفعت الشنيور، مستأذنا الجدار أن أشن عدواني المهذب عليه..وضغط إصبعي على زر التشغيل، وزمجر الشنيور في يدي زمجرته المتوعدة.
لامست الجدار برأس البنطة ملامسة رقيقة، ثم تركت له العنان.
كان يدور بانسيابية غريبة، كانت ذرات الحائط تتباعد من تلقاء نفسها، كان الثقب يغور في تناغم مدهش، كان الجدار يتجاوب معي، أكثر مما كان الشنيور يؤدي وظيفته.
أتأملني في وقفتي الثابتة، وذراعي في وضع عمودي، ممسكا شنيور يخترق الجدار، بثقة وتفاهم.
أقول لو كان فرويد هنا لكتب كتابا كاملا عن فقه الأجساد العمودية والاختراقات المنشودة..كان سيقول كلاما كثيرا لن يخرسه إلا هذا الشنيور وأنا أغرسه في عنقه كي يصمت إلى الأبد ويكف عن تصديعنا.
أنتهي من ثقبين في الجدار، بديا لي كما لو أنهما ذابا من تلقاء نفسيهما، وأتأمل الشنيور في يدي كأنما هو مسدس مائي من الطراز الذي كنا نلعب به في طفولتنا.
كانت قيادة طائرة ميراج أسهل بالنسبة لي من استخدام الشنيور..لكن في لحظة بعينها، لحظة التفاهم الكبرى مع الكون/الجدار..يتوائم الشنيور كأنه مفك صليبة باعث على الطمأنينة بأن كل شيء سيأخذ مجراه.
___
من كتابي "أسطورة السيد دودي"، دار كتابي، 2013
أسطورة السيد دودي 84547_660_2409987


.::الَّلهُمَّـ اجعَلْـ عَمَلَنَا خَالِصًا لِوَجهَكَـ الكَرِيمِـ::.
أسطورة السيد دودي Last10

تعاليق

prox
موضوع جميل و إبداعي
جزاك الله خيرا
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
remove_circleمواضيع مماثلة
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى