اعداد / د. هند بدارى
تنفيذ صفقة مبادلة الجاسوس الاسرائيلى ايلان جرابيل بسجناء مصريين
الخميس 27 أكتوبر 2011 برعاية المخابرات المصرية،فتح ملف مفاوضات تبادل
جواسيس "الموساد" مع مصر،وما تنطوى عليه من اغراءات ومغامرات ومساومات
وتنازلات ، وألقى الضوء على حكايات هؤلاء الجواسيس ومن أشهرهم :مردخاي لوك
الذي أطلقت عليه وسائل الاعلام "جاسوس الشنطة" وهبة سليم الملقبة ب"ملكة
الجاسوسية" وعزام عزام وغيرهم .
أوراق ضغط وتعددت جولات المفاوضات وتباينت أوراق الضغط فى عمليات استرداد جواسيس
الموساد بمصر عبر أكثر من نصف قرن و اشتهر محترفو بعض عمليات التجسس بأسماء
مميزة ، ومنهم :
"جون دار لنج"، الإسم المستعار لأحد أبرز عملاء
الموساد الاسرائيلى الذين وصلوا مصر عام 1951،وهو يهودى بريطاني يدعى
إبراهام دار عمل مع "الموساد" عقب تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، ونجح فى
تجنيد مصريين ،من أشهرهم شابة يهودية تسمى "مارسيل نينو"، كانت بطلة
أوليمبية مصرية معروفة بإتصالاتها الواسعة في أواخر حكم الملك فاروق.
وعند
اكتشاف شبكة التجسس التي نفذت عمليات تفجير دور السينما في القاهرة
والإسكندرية والشهيرة بفضيحة"لافون" عام 1954 ، تم القبض علي "مارسيل نينو"
التى حاولت الانتحار مرتين في السجن، وتم إنقاذها وتقديمها الى المحاكمة
مع 11 جاسوساً اسرائيليا ضمن الشبكة نفسها ،وحكم عليها بالسجن 15 عاماً،
وكان المقرر أن تنتهي فترة سجنها عام 1970 إلا أن عملية التبادل التي جرت
بين القاهرة وتل أبيب بشكل سري عام 1968 ،أطلقت سراح مارسيل وعدد آخر من
الجواسيس ضمن صفقة كبيرة لتحرير مئات الأسرى المصريين.
وقد إلتزمت
إسرائيل بشرط عدم الاعلان عن تفاصيل الصفقة حتي عام 1975 حين سربها أحد
الصحفيين الإسرائيليين عندما تتبع خيوط خبر غريب عن حضورجولدا مائير رئيسة
وزراء إسرائيل وقتها حفل زواج فتاة في الخامسة والأربعين من عمرها، وتوصل
الصحفي إلي سر اهتمام جولدامائير بمارسيل ونشر حكاياتها المثيرة .
وفي
عام 1960 ، اكتشفت أجهزة الأمن المصرية 5 شبكات تجسس بعد مجهودات متشعبة
وخطيرة استمرت عامين فيما عرف إعلاميا بـعملية الفنان "سمير الإسكندراني"
الذي تمكن بالتعاون مع جهاز المخابرات المصرية من إسقاط 10 جواسيس من الوزن
الثقيل ، وكان يدير هذه الخلايا التي تعمل داخل مصر عدد كبير من ضباط
الموساد المحترفين من تل أبيب وروما وباريس وسويسرا وامستردام وأثينا من
خلال تبادل الخطابات السرية، والمعلومات عبر شبكة اتصالات كبيرة ومعقدة،
ولذلك ترتب على سقوطهم الإطاحة برئيس جهاز الموساد الإسرائيلي من منصبه.
جاسوس "الشنطة "
ومن القضايا التى تدل على حسم المخابرات المصرية فى مواجهة أى عميل
مزدوج، قضية تصدى أجهزة الأمن مرتين لجاسوس إسرائيلى يدعى "مردخاى لوك"
اشتهر بلقب "جاسوس الشنطة" حيث تجسس لصالح مصر لفترة طويلة حتى تم اكتشافه
فى روما قبل أن يتم اتخاذ قرار بتهريبه بالبريد الدبلوماسى للقاهرة، بعد 33
سنة من هروبه عبر الحدود مع مصر.
وكان المقرر أن تصعد حقيبة مجهزة
بفتحات تهوية وفيها الجاسوس للطائرة المتجهة من روما إلى القاهرة، لكنها
تأخرت عن موعد إقلاعها ،فتحرك الجاسوس ونادى على من بالخارج باللغة
الإيطالية، فلاحظ أحد رجال الجمارك حركة وصوتا مريبا داخل الحقيبة وفتشها
،الأمر الذى أثار أزمة دبلوماسية آنذاك مع إيطاليا.
واعترف مردخاى
بالتحقيقات الاسرائيلية بتجسسه لصالح مصر، بعد ذلك استدرجه الموساد
لإسرائيل حيث أوهموه بأنه لن ينال أية عقوبة، ولكن حكم عليه بالسجن لمدة 12
عاما، لاعترافه بالتجسس لصالح مصر مقابل 100 دولار شهريا.
وفى
ديسمبر 1994 ،عاد لمصر "جاسوس الشنطة" بزعم السياحة، ورافقه صحفى إسرائيلى
جاء لتصوير المناطق الفقيرة وأتوبيسات النقل العام المزدحمة، لنشرها مع
مقال عن رحلة الجاسوس السابق ،لكن كشفه سائق تاكسى وطارده أولاد البلد حتى
فشلت مهمته الغامضة فى القاهرة.
وفي عام 1962،تمكنت أجهزة الأمن
المصرية من القبض علي الجاسوس الإسرائيلي ليفجانج لوتز وزوجته بتهمة إرسال
"طرود ملغمة" لقتل خبراء الصواريخ الألمان العاملين في القاهرة، هو
إسرائيلي من أصل ألماني، قدم معلومات دقيقة إلي تل أبيب عن الصواريخ
الروسية «سام» ، وإكتشفت الحكومة المصرية عمالته لصالح اسرائيل بالصدفة
عندما أمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر باعتقال 30 عالماً من ألمانيا
الغربية في القاهرة وكان لوتز يقيم في القاهرة بصحبة زوجته ووالديها ،وخلال
استجوابه اعترف بتجسسه علي مصر وأطلق سراحه بعد قضائه ثلاث سنوات في السجن
من خلال استبداله بأكثر من 500 ضابط مصري ممن أسروا في حرب 1967.
النكسة وصفقات ذهبية
ثم أتاحت نكسة 5 يونيو 1967 فرصة ذهبية لاسترداد اسرائيل جواسيسها مقابل
الإفراج عن الأسري المصريين في تلك الحرب ، ففي 2 يناير 1968 بدأت مصر
الإفراج سراً عن الجواسيس الإسرائيليين، حيث سافر فيليب هيرمان إلي جنيف
بسويسرا ، بينما سافر فيكتور ليفي إلي أثينا باليونان، وفي 13 يناير 1968
كان جواسيس فضيحة "لافون" بمصر ومعهم لوتز وزوجته فى تل أبيب .وشهدت
الفترة 1970 ـ 1981، مفاوضات سرية عديدة بين القاهرة وتل أبيب ،أسفر بعضها
عن إطلاق سراح جواسيس، فى حين فشل البعض الآخر.. فعلى سبيل المثال قبل حرب
أكتوبر 1973بعدة أشهر، ألقت أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض علي جاسوس يعمل
لحساب المخابرات المصرية في تل أبيب يسمى "آيد"، في عملية دقيقة ومعقدة .
وعندما
ألقت أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض على أيده، أنكر التهم الموجهة إليه،
وصمد أمام عمليات التعذيب التي تعرض لها، لكن تل أبيب فوجئت بعد حرب
أكتوبر، وتحديداً أثناء مفاوضات الكيلو 101 بطلب الرئيس الراحل أنور
السادات الإفراج عن العميل آيد و الأسري المصريين مقابل الإفراج عن الأسري
الإسرائيليين ،فوافقت إسرائيل علي الفورعلى عقد صفقة سرية سافر بموجبها أيد
إلي باريس، ومنها عاد إلي القاهرة ليعيش مع زوجته الفرنسية في أحد أحياء
مصر الجديدة.
صفقة أخري لتبادل الجواسيس بين القاهرة وتل أبيب، تمت
في سرية، ولم تعلن تفاصيلها إلا بعد سنوات من حدوثها.. وقعت أحداثها عام
1974 عندما ألقت المخابرات المصرية القبض علي شبكة جواسيس، أفرادها مكونة
من أسرة الجاسوس إبراهيم شاهين وزوجته إنشراح وأولادهما نبيل ومحمد وعادل، و
قام التليفزيون المصري بإنتاج قصتهم في مسلسل بعنوان "السقوط في بئر سبع".
وقد
بدأت الشبكة عملها في مصر لحساب الموساد الإسرائيلي منذ عام 1968 ،وظلت
طوال 7 سنوات كاملة تبث إلي تل أبيب المعلومات العسكرية والاقتصادية
والاجتماعية ،وبعد سقوط الشبكة في قبضة المخابرات المصرية، عقدت المحاكمة
السرية في القاهرة، وصدر الحكم في 25 نوفمبر 1974 بالإعدام شنقاً لكل من
إبراهيم شاهين، وزوجته إنشراح، والسجن لأولادهما الثلاثة.
وفي ديسمبر
1977،تم تنفيذ حكم الإعدام في الجاسوس إبراهيم شاهين، بينما أوقف
"السادات" تنفيذ حكم الإعدام في زوجته إنشراح، ووافق علي الإفراج عنها
وأولادها الثلاثة، وتسليمهم جميعاً إلي تل أبيب ، في صفقة لتبادل الجواسيس
بين القاهرة وتل أبيب بطلب من وزير الخارجية الأمريكي وقتها هنري كيسنجر ،
وذلك قبل زيارة السادات لتل أبيب وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام .
وفى المقابل ، هناك صفقات باءت بالفشل ومن هذه الحالات الجاسوسة هبة
عبدالرحمن سليم عامر« الشهيرة بـ"عبلة كامل" التى تم إعدامها لخيانتها
العظمي و قامت السينما المصرية بإنتاج فيلم عن قصتها بعنوان "الصعود إلي
الهاوية" وقد رفضت مصر العديد من العروض الإسرائيلية لمبادلتها بجواسيس أو
أسري مصريين في إسرائيل.
وأطلق عليها لقب «ملكة الجاسوسية» لأنها
استغلت جمالها الصارخ فى تنفيذ مهامها ، ونجحت المخابرات المصرية فى القبض
عليها بعد التنسيق مع أبيها الذي كان يعمل مدرسا في ليبيا وحكم عليها
بالإعدام .
وقالت عنها جولدا مائير"إنها قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم
لها زعماؤها" ،فهى لم تتخابر بسبب المال أو الظروف الاقتصادية، بل تخابرت
لأنها علي قناعة بأن إسرائيل دولة قوية.
و المعروف أن عدم الإفراج عن بعض الجواسيس مهما كانت الإغراءات والإصرار على عقابهم نوع من توجيه الرسائل لتحقيق أهداف سياسية.
كما
رفضت مصر أيضاً عرضاً للإفراج عن الجاسوس علي العطفي الذي أدين في القضية
رقم 4 لسنة 1979 محكمة أمن الدولة العليا، لارتكابه جريمة التخابر مع
إسرائيل ورغم أن " السادات" خفف الحكم عليه من الأشغال الشاقة المؤبدة، إلي
15 سنة فقط.. فإنه رفض الإفراج عنه أو مبادلته، وكان العطفي المسئول عن
العلاج الطبيعي في مؤسسة الرئاسة.
وشهدت أيضاً الفترة من 1981 حتي
الآن عدة عمليات لتبادل الجواسيس بين القاهرة وتل أبيب، وشملت متهمين في
قضايا أخري ،ومن أبرزها : سقوط أكبر شبكة للجاسوسية معروفة بـ «شبكة آل
مصراتي» عام 1992 في قبضة الأمن المصري ،وضمت الشبكة أربعة جواسيس هم :صبحي
مصراتي وأولاده ماجد وفائقة واخر" ديفيد أوفيتس"، ثم تمت مبادلة شبكة" آل
مصراتي" وقتها بـ 18 مصريا كانوا في سجون إسرائيل.
قضية عزام المثيرة للجدل
ويعتبر البعض قضية الجاسوس عزام عزام من أكثر القضايا إثارة للجدل ، فقد
اعتقلته السلطات المصرية عام 1996 ، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة،
وكان من المفترض انتهاء العقوبة عام 2012.
وتمثلت مهمة عزام وشبكته
فى جمع معلومات عن المصانع الموجودة في المدن الجديدة من حيث النشاط
والحركة الاقتصادية وتردد أن عزام عزام استخدم طريقة جديدة للغاية وهي
إدخال ملابس داخلية مشبعة بالحبر السري قادمة من إسرائيل .وقد رفض الرئيس
السابق مبارك عروضا إسرائيلية متعددة للإفراج عن عزام ، مشيرا إلى أن
القرار بشأنه ليس رئاسيا وإنما قرار قضائي .
وكانت المفاجأة التي
أثارت جدلا كبيرا ،صدور القرار المصري 12يونيه 2004 بالإفراج عن عزام ،
وتردد وقتها أن هذه الخطوة جاءت مقابل الافراج عن ستة طلاب مصريين
،اعتقلتهم اسرائيل اثناء عبورهم الحدود المصرية الاسرائيلية واتهمتهم بعمل
عدائي ، وسبق لمصر أن رفضت استبداله بثمانية ملاحين مصريين كانوا علي متن
السفينة "كارين إيه" التي أوقفتها إسرائيل بسواحل البحر الأحمر في 2002
،زاعمة أن السفينة كانت تحمل أسلحة مهربة إلي إيران.
أما الجاسوس
سمير عثمان ،فقد سقط في أغسطس 1997م في يد رجال الأمن أثناء قيامه بالتجسس
مرتدياً بدلة الغوص حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل ،واعترف
المتهم بأنه تم تجنيده عام 1988م على يد الموساد بعد أن ترك عمله في جهاز
مصري حساس.وقد سافر عثمان إلى اليونان والسودان وليبيا ومنها إلى تل أبيب،
وجهز له الموساد 4 جوازات سفر ، كان يستخدمها في تنقلاته.
ولأول مرة
خلال التسعينيات ، تم تجنيد تاجر مخدرات يسمى سمحان موسى ليكون جاسوسا
لإسرائيل ، كان يعمل في فترة شبابه بإحدى شركات المقاولات التي لها أعمال
في مصر وإسرائيل ومن هنا كانت له اتصالات عديدة ببعض ضباط الموساد
المعروفين و اتفق معهم على صفقة جلب المخدرات مقابل تقديم معلومات هامة عن
مصر.
وتلقى سمحان دروسا عديدة في كيفية الحصول على معلومات ، تتعلق
بالوضع الاقتصادي لمصر وحركة البورصة المصرية وتدوال الأوراق المالية، و
كان يحفظ المعلومات المطلوبة وينقلها شفاهة إلى ضباط الموساد الإسرائيلي.
sherifالجمعة نوفمبر 04, 2011 1:09 am