اسمه كان اول اسم ، يقفز الى الازهان ، عندما يتعلق الامر بمهمه من اعمال المخابرات الالمانيه ، فى اوروبا الشرقيه، ابان الحرب العالميه الثانيه.. وبالذات المهام الصعبه .. الو المستحيله ! وبالذات ايضا تلك التى تدور فى قلب (روسيا).. هذا لانه كان واحدا من اقوى رجال المخابرات الالمانيه ، واكثرهم حنكه وذكاء ، فى تلك الفتره.. انه (جهلن).. (راينهارت جهلن) .. (ادولف هتلر ) نفسه كان يثق به ثقه عمياء، ويسند اليه اية مهمه، يرد فيها ذكر (روسيا)، ولو من بعيد.. وكان يعده ليصبح رئيس جهاز المخابرات الالمانى.. ولكن .. ليس كل ما يتمكنه المرء يدركه.. لقد خسرت المانيا الحرب العالميه الثانيه، واطبق عليها الحلفاء من كل جانب، وشطروها الى شطرين ، استولت (روسيا) على الشرقى منهما، وتركت النصف الغربى لقوات (انجلترا)و(فرنسا)و(امريكا).. وبدات حرب جديده ، بين المعسكرين الغربى والشرقى، اطلق عليها الخبراء و رجال الصحافه اسم(الحرب البارده)،وهى تلك الحرب ، التى لا يستخدم الطرفان فيها ، الاسلحه الناريه، بقدر ما يستخدمان العاب الجاسوسيه، واستغلال الحقائب والحصانه الديبلوماسيه.. وكأى مرحله جديده، بدات محاولات البحث عن عناصر قويه، تفيد احد الجانبين، وتعاونه فى الحصول على المعلومات السريه من منافسيه.. وهنا برز اسم (راينهارت جهلن).. وكان جهلن قد سقط فى ايدى الامريكيين، بعد صراع طويل، اسبت خلاله مهارته وكفائته، وقدرته على المراوغه والمناوره والقتال ، ودفع الامريكيين الى التفكير جديا فى الاستعانه به، وبخبراته الطويله، للتجسس على السوفيت.. وذات ليله، من ليالى ديسمبر1945م، ايقظ بعضهم (جهلن) من رقاده ، وحمله الى حجرة مدير المخابرات المركزيه الامريكيه، التى لم تكن بعد اكثر من جنين يتكون، ويستعد للاعلان عن نفسه، وسط العالم الجديد.. ولنصف ساعه كامله، بقى (جهلن وحيدا فى الحجره، يتطلع اليها فى حذر، ويدير عينيه فيها ببطء، فى حين كان مدير المخابرات الامريكى، وثلاثه من معاونيه يراقبونه،من خلف مرآه مزدوجه، تسمح بالرؤيه من احد جانبيها ،و تعكس الصوره من الجانب الاخر.. جانب (جهلن) بالطبع.. ثم توقف بصر (جهلن) عند المرآه، وانعقد حاجباه الرفيعان، وهو يتاملها فى اهتمام شديد، قبل ان ترتسم على شفتيه ابتسامه ساخره باهته، جعلت مدير المخابرات الامريكى يغمغم: لقد كشف امرها .. انه ثعلب حقيقى. نطقها فى مزيد من الضيق والدهشه، قبل ان يغادر موقعه، ويتجه الى حجرته، ويواجه(جهلن) مباشرة، وهو يقول فى برود: كيف حالك يا (جهلن)? اجابه (جهلن) فى هدوء مثير: كيف تتوقع الجواب? هل اخبرك الحقيقه، ام اقول اننى فى خير حال? تجاهل المدير الامر كله، وهو يقول فى صرامه: هل تعلم عقوبة العمل لحساب النازيه? ابتسم (جهلن)، واجاب بلهجه شبه ساخره: كلا ،فآخر ما اذكره هو المزايا، التى كان يتمتع بها من يعمل لحسابها. التقط المدير ملفا ضخما وتظاهر بتقليب اوراقه، ومطالعة محتوياته، قبل ان يقول فى لهجه قاسيه: بالنسبه لملفك هذا ، وما تضمنه من وقائع ، فاقل حكم ينتظرك هو الاعدام يا رجل. قال (جهلن) فى هدوء : ولكنك مستعد للمساومه .. اليس كذلك? تطلع اليه المدير فى دهشه، وايقن فى اعماقه انه يواجه ثعلبا ماكرا ؛لذا فقد تجاوز كل الخطوات التقليديه، التى لقنه اياها خبراء المخابرات البريطانيه، وقفز الى الخطوه التاليه مباشرة، وهو يسال (جهلن) بغته : ما الذى تعرفه عن السوفييت يا (جهلن)? اجابه الرجل فى خبث: الكثير.. ولكن هذا يتوقف على الثمن، الذى يمكنكم دفعه، مقابل ما لدى. تراجع المدير فى مقعده، وبدا على مجهه الارتياح، عندما اتخذت اللعبه هذا الطريق المباشر، وسال (جهلن): ماذا لديك بالضبط? اجابه (جهلن)، بنفس الاسلوب المباشر: طن من الوثائق السريه ، تحوى ادق اسرار السوفييت، جمعتها فى اثناء عملى واحتفظت بها احتياطيا. هز المدير راسه، ودرس الامر فى راسه،وهو يواجه اخطر رجل مخابرات، قابله فى حياته كلها، ثم قال بغته: ما رايك فى العمل لحسابنا يا (حهلن)? كان السؤال مفاجاه حقيقيه ل(راينهارت جهلن)؛فلم يكن ينوقع الدخول فى المساومه، على هذا النحو السريع المباشر المباغت، ولكنه شعر بضرورة التعامل بالنسق نفسه، فسال فى سرعه: كيف ? واين? وابتسم المدير.. لقد بدات اللعبه.. وفى فبراير عام 1946م، عاد (جهلن) الى المانيا، واستقر فى بلاخ، بالقرب من ميونيخ، ومعه تفويض تام من المخابرات الامريكيه، باقامة اكبر شبكة تجسس، فى( المانيا الشرقيه كلها)، وميزانيه رهيبه، لم يحظ بها جاسوس واحد، فى العالم اجمع، اد بلغت مائتى مليار من الدولارات، اى ما يزيد على ميزانية دوله كبرى فى ذلك الحين..واثبت (جهلن)انه يستحق ماحصل عليه؛ فقد كان بحكم تكوينه النازى يبغض الشيو عيه بغضا تاما،مما جعله يعمل فى حماس شديد، ويقيم اكبر واضخم، واقوى شبكه جاسوسيه عرفها العالم ، فى التاريخ الحديث.. بل كانت تفوق المخابرات المركزيه الامريكيه نفسها ؛ اذ حوت اكثر من اربعين قسما من اقسام التجسس، وانشات وادارت عددا ضخما من الشركات الوهميه ، فى مختلف دول العالم ، كما تعاونت معها اجهزة المخابرات الامريكيه تعاونا وثيقا ، برز كاقوى ما برز ،فى عمليه اطلق عليها الامريكيون اسم(شبكة الهاتف).. ففى عام 1955م، وبينما الامريكيون يقيمون محطه كبرى للرادار، فى (رودو)ب(المانياالشرقيه)،قامت منظمة (جهلن)، بالتعاون مع المخابرات الامريكيه، بحفر وتركيب شيكة هاتف ضخمه، بلغ طولها مايقرب من ستمائة كيلو متر، للتجسس على شبكة الهاتف الدوليه الرئيسيه،فى (المانيا الشرقيه)،دون ان يمتبه السوفيت الى ان هذا الفريق من العمال، الذى انهمك فى الحفر، وفى حمل ملايين الاطنان من التراب، بواسطة عربات شحن ضخمه، كان كله من رجال (جهلن) المتنكرين، الذين يعاونهم رجال المخابرات الامريكيه،الذين زودوا الشبكه السريه باجهزة تسجيل فائقة الحساسيه، يمكنها التقاط وتسجيل(432) محادثه هانفيه فى ان واحد.. وطوال الشهور التسعه التاليه، التقط الامريكيون كل المحادثات الهاتفيه الدوليه، من المانبا الشرقيه، والى جميع دول العالم.. وبالذات الى(الاتحاد السوفيتى).. ولكن الدنيا لا تسير ابدا على متيره واحده.. والنجاح لا يدوم.. ففى الثانى والعشرين من ابريل عام 1956م، و بالمصادفه البحته، اوقف الملازم(اندريه ميلانو فيتشى) سيارة الشرطه،التى يتنقل بها، فى نفس المنطقه، التى تختفى تحتها حجرة التنصت الرئيسيه للشبكه، واشعل سيجارته، وراح ينفث دخانه فى بطء، متطلعا الى الشمس الغاربه، و ... وفجاه انتباهه امر عجيب.. كان الجليد ينتشر فى النطقه كلها، فيما عدا بقعه واحده، يذوب عنها الجليد فى سرعه، على نحو مثير للدهشه والحيره.. وفى حذر ، اقترب (ميلانوفيتشى) من تلك البقعه، وراح يتحسسها فى اهتمام، وتضاعفت الدهشه فى اعماقه، عندما لاحظ انها دافئه، على عكس الطبيعى، فى ذلك الطقس الشديد البروده. وبسرعه، ابلغ (ميلانوفيتشى) الامر لرؤسائه)، الذين اجروا ابحاثهم حول المكان، ثم اطبقوا عليه فى شراسه.. وانكشف الامر.. كان الجليد يذوب بفضل انابيب التدفئه، المختبئه فى جدران حجرة التنصت الرئيسيه بالشبكه.. والقى السوفيت القبض على افراد الشبكه كلهم، فيما عدا (جهلن)، الذى اختفى تماما ، ولم يظهر له ادنى اثر.. وانكر الامريكيون اية صله لهم بالشبكه، او ب(جهلن)، واعلنوا هذا رسميا، على الرغم من ثورة السوفيت واصرارهم.. ونشط الفريقان، فى البحث عن (جهلن).. السوفيت يريدون الانتقام منه، لما حصل عليه من اسرارهم.. والامريكيون يريدون الحصول على الوثائق الجديده، التى حصل عليها من السوفيت.. ولكن السنوات مضت، دون ان يظهر (راينهارت جهلن).. اختفى الثعلب، الذى خدع الجميع، تاركا خلفه شائعات لا تنتهى .. البعض قال: ان السوفيت القوا القبض عليه بالفعل، واعدموه، ولكنهم اخفوا هذا، حتى لا يطالبهم الامريكيون به ، او يدركوا ان وثائقهم عادت اليهم.. اما البعض الاخر، فاكد انه استولى على عشرة مليارات الدولارات الامريكيه وابتاع جزيره فى المحيط الهادى، منتحلا اسم(جون دو).. واخرون اصروا على انه يختفى، فى مكان ما فى (المانيا الغربيه)، لينشئ منظمه اخرى، تعمل على عودة النازيه الى العالم مره اخرى.. وكلها مجرد اشاعات.. لقد اختفى(راينهارت) تماما، وغادر(المانيا).. او عاد اليها.. من يدرى
Vivianالأربعاء يوليو 22, 2009 12:09 pm